حياة أبي تمام وآثاره

حياته:

برز الشاعر حبيب بن أوس الطائي المعروف بـ "أبي تمام"، في العصر العباسي، وقد حقق نجاحاً كبيراً خلال حياته القصيرة، فتمكن نتيجة لاجتهاده وطموحه من أن يتحوَّل من سقّاء في مسجد عمرو بن العاص في مصر، إلى شاعر من أشهر الشعراء في عصره.
وقد اختلف الرواة في المكان الذي ولد فيه الشاعر أبو تمام، ولكنه - على ما يرجح - المولود في قرية يقال لها "جاسم" من أعمال دمشق، وقد تعددت الروايات في سنة ولادته أيضاً، فقد ذكر حنا الفاخوري في كتابه "تاریخ الأدب العربي" أنه ولد نحو سنة 180هـ /796م بينما ذكر أحمد حسن الزيات في كتابه "تاریخ الأدب العربي" أنه من مواليد عام 188هـ، وقيل في أخبار الصولي أن عام ولادته هو 190 هـ. 
ترعرع أبو تمام في الشام وتلقّى علومه فيها، وتردد على حلقات العلم في مساجد مدينة دمشق، حيث تفقّه في علوم الدين واللغة والشعر، وكانت مواهبه الشعرية قد بدأت تتفتق عندما انتقل من دمشق إلى حمص، ونظم أولى قصائده في الهجاء، ثم غادر حمص إلى مصر وهو لا يزال يافعاً في نحو السابعة عشرة من عمره، فكان يسقي الماء بجامع عمرو، ويستقي من أدب علمائه، ولم يزل يحفظ الأشعار ويحاكي الشعراء فيصادفه التوفيق مرة ويخطئه أخرى حتى تضلع من الأدب العربي والشعر، وبلغ من الشعر مبلغاً لم يزاحمه فيه أحد من أهل عصره.
ثم ضرب أبو تمام في مختلف الأنحاء واتصل بكثيرين من أولى النفوذ إذ ذاك، ولم ينقطع في كل تلك الأثناء من قول الشعر في مختلف الموضوعات، وكانت شهرته تتسع شيئاً فشيئاً ومقامه في الشعر يسمو حتى وافته المنية.
وأما سنة وفاته فقد تعددت الأقوال فيها أيضاً، فقد ذكر حنا الفاخوري في كتابه "تاریخ الأدب العربي" أنه توفي سنة 228هـ / 843م بينما كتب أحمد حسن الزيات في كتابه "تاریخ الأدب العربي" أن سنة وفاته هي 231هـ، ويرى بعض الرواة أنه مات 230هـ بينما يرجح بعضهم سنة 232هـ كسنة وفاته.

آثاره:

لقد خلف أبو تمام وراءه الكثير الحسن والقليل الرديء، فما نال المدح أكثر من ثلث ما كتبه، فقد مدح الكثير من الخلفاء والأمراء والوزراء والشعراء والقواد وغيرهم في البلدان التي مر فيها، وكتب 513 قصيدة.
185 قصيدة للمدح بين المطولة والقصيرة. 
136 قصيدة للغزل. 
92 قصيدة للهجاء. 
35 قصيدة للمراثي. 
30 قصيدة للمعاتبات. 
22 قصيدة للأوصاف. 
8 قصائد للفخر. 
5 قصائد للوعظ والزهد.

الديوان:

وقد جمع شعره في ديوان طبع مراراً في مصر وبيروت إلا أن جميع هذه الطبعات فشا فيها الكثير أو القليل من التحريف والتخليط، ويشمل هذا الديوان مختلف فنون الشعر العربي المعهودة من مدح، ورثاء، ووصف وغزل، وفخر، وعتاب وهجاء، وزهد.

المختارات:

لم يقتصر أبو تمام على ديوانه شأن شعراء العرب السابقين، بل فتح في الأدب باباً جديداً، جاراه فيه كثير من الشعراء والأدباء من بعده، إذ عكف على تصنيف الكتب، وجمع آثار شعراء آخرين، فكان له فيما عدا ديوانه الخاص، سبع مجموعات شعرية هي:

كتاب الاختيار من أشعار القبائل:

يشتمل هذا الكتاب على أشعار اختارها من شعراء القبائل المختلفة.

كتاب الاختيار من شعر الشعراء:

يشتمل هذا الكتاب على مختارات من شعر شعراء لا يعرف عنهم إلا القليل.

كتاب الفحول:

يشمل هذا الكتاب مجموعة من أجود قصائد شعراء الجاهلية والإسلام تنتهي بابن هرمة.

كتاب الحماسة:

قد ضمن أبو تمام كتاب الحماسة ما رآه أحسن الشعر العربي من العصر الجاهلي حتى العصر العباسي، ورتبه ضمن عشرة أبواب خص كل باب بفن، وكان باب الحماسة أولها فأطلق اسمها على الكتاب بأجمعه.

اختيار المقطعات:

قام أبو تمام بترتيب هذا الكتاب على نسق "الحماسة"، ولكنه بدأ بالغزل.

مختارات من شعر المحدثين.


نقائض جرير والأخطل:

ذكر فيه أبو تمام عشرين نقيضة للشاعرين ومعها نقيضة الفرزدق، وشعراً مختلفاً للسفاح التغلبي والمرقش الأكبر والزبان الشيباني وعمرو بن لأي التميمي.
ولم يصل إلينا من جميع هذه المجموعات سوى كتابي "الحماسة" و "النقائض".

موضوعات شعر أبى تمام:

يُذكر أنَّ أبا تمام تناول معظم المواضيع الشعريّة في أشعاره، وبرع في مختلف الموضوعات، ولكنَّه قصّر في مجال الهجاء، ولم يبرع في بابه، وقيل عنه نواحة ومدّاحة؛ وذلك لأنَّ الغالب على أشعاره الموضوعات المتعلقة بالمدح والرثاء، حيث يُشكلان أكثر من ثلثي ديوان أبي تمام الشعريّ، فقد حرص على منح مختلف طاقاته الشعريّة في باب المدح، وذلك بسبب اعتبار المدح الموضع الذي يُمتحن ويُجاز عليه الشاعر.

ومن أبدع الأبيات الشعرية في مجال المدح ما قاله في مدح المعتصم:


هو البحر من أي النواحي أَتيته
فلجته المعروف والجود ساحله

كريم إذا ما جئت للخير طالبا
حباك بما تحوي عليه أنامله

ولو لم تكن في كفه غير نفسه
لجاد بها فليتق الله سائله

ومن أبياته الشعرية المتعلقة بالرثاء ما قاله في رثاء محمد بن حميد الطوسي:


كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

توفيت الآمال بعد محمد
وأصبح في شغل عن السفر السفر

ألا في سبيل الله من عطلت له
فجاج سبيل الله وانثغر الثغر

فتى كلما فاضت عيون قبيلة
دما ضحكت عنه الأحاديث والذكر

خصائص شعر أبي تمام:

 تميز شعر أبي تمام بالخصائص التالية. 

غموض المعاني وتعقيدها واختفاؤها: 

وتُعتبر هذه الخاصيّة من خصائص شعره الكبرى، حيث كان يهدف من ذلك أن يرد على كل ما يدّعيه المحافظون من أنَّ القدماء استنفدوا جميع المعاني الشعريّة، وأنَّ المحدثين أصبحوا عالة عليهم، وبالتالي أراد أن يُثبت شعره للمحافظين، حتّى أنَّ النقاد اعتبروه من أكثر الشعراء الذين اخترعوا المعاني، وابتدعوا الأفكار الجديدة، ويُذكر أنَّ شعر أبي تمام كان مُعقداً وغامضاً نوعاً ما، وذلك بسبب اعتماده الشديد على توظيف عقله في أشعاره، ويعود السبب في اختفاء معاني شعره أنَّه كان يوظف المعاني الأعجمية الغريبة، وتختفي المعاني السهلة في ظل المعاني الغريبة. 

التكلف والإسراف في استخدام البديع: 

يُعتبر أبو تمام من الشعراء المتكلفين والمتصنعين في أشعارهم، وخاصة في توظيف البديع؛ إذ كان مُسرفاً في توظيف الطباق، والجناس، والاستعارات، ووصل الأمر إلى أنْ بات كثير من شعره لا يُفهم الغرض منه إلّا بعد طول تأمل وتفكر في مدلولاته. 

الإكثار من الصور المجازيّة: 

لم يكتفِ أبو تمام من تكلف المحسنات اللفظيّة بل تعداها إلى التكلف في استخدام الصور المجازيّة، والصور البيانيّة من تشبيه، واستعارة، ومجاز بأنواعه المختلفة، وتجاوز البساطة المألوفة في الشعر العربيّ. 

المبالغة: 

تجاوز أبو تمام في أشعاره حدود الواقع، وذلك من خلال المبالغة في معانيه الشعريّة.

المصادر والمراجع:

تاريخ الأدب العربي لحنا الفاخوري.
تاريخ الأدب العربي لأحمد حسن الزيات.
مقالات مختلفة على الإنترنت.

ماذا أريد أن أصبح في مستقبل أيامي

حياة الخنساء وآثارها

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حیاتِ متنبی اور اُس کی شاعری

مساهمة توفيق الحكيم في تطوير المسرحية

أبيات بشار بن برد في الشورى والجد والمعاشرة