النثر في العصر العباسي


النثر لغة:
يقول صاحب اللسان: "النثر نَثرُك الشيءَ بيدك ترمي به متفرقاً مثل نثر الجوز واللوز والسکر، وکذلك نثر الحبّ إذا بُذر." فالمعنی اللغوي يعني الشيء المبعثر (المتفرق) الذي لايقوم علی أساس في تفرقه وبعثرته، أي: لا يقوم علی أساس من حيث الکيف والکم والاتساع.

النثر اصطلاحاً:

هو الکلام الذي ليس فيه الوزن ويعتمد علی الحقائق، وبتعبير آخر: "النثر هو کلام المقفي بالأسجاع."
النثر أدب إنساني، "وهو علی ضربين: أما الضرب الأول فهو النثر العادي الذي يقال في لغة التخاطب، وليست لهذا الضرب قيمة أدبية إلا ما يجري فيه أحياناً من أمثال وحکم، وأما الضرب الثاني فهو النثر الذي يرتفع فيه أصحابه إلی لغة فيها فن ومهارة وبلاغة، وهذا الضرب هو الذي يعنی النقاد في اللغات المختلفة ببحثه ودرسه وبيان ما مر به من أحداث وأطوار، وما يمتاز به في کل طور من صفات وخصائص، وهو يتفرع إلی جدولين کبيرين هما الخطابة والکتابة الفنية ـ ويسميها بعض الباحثين باسم النثر الفني ـ وهي تشمل القصص المکتوب کما تشمل الرسائل الأدبية المحبرة، وقد تتسع فتشمل الکتابة التاريخية المنمقة".

نشأة النثر الفني:

يجد الباحث عنتاً كبيراً حينما يحاول تحديد الوقت الذي نشأ فيه النثر الفني في اللغة العربية، إذ أن الباحثين الذين تصدوا لدراسة الأدب الجاهلي قد اضطربوا في تقدير الوجود الأدبي لعرب الجاهلية وبخاصة فيما يتعلق بالنثر، ولم يستطيعوا علی الرغم من جهودهم ودراساتهم أن يصلوا في ذلك الموضوع إلی نتيجة ثابتة أو رأي موحد يمکن الاطمئنان إليه، وأما هذه الآثار النثرية المختلفة التي تنسب إلی الجاهليين فيکاد مؤرخو الأدب يتفقون علی عدم صحة شيء منها، والسبب في عدم الثقة بهذه النصوص هو أن وسائل التدوين لم تکن ميسرة في العصر الجاهلي.

تحديد العصر العباسي:

العصر العباسي هو العصر الذي بدأ في التاريخ السياسي سنة ١٣٢ه‍ (٧٤٩م) بسقوط الدولة الأموية في الشام، وقيام دولة بني العباس في الكوفة (العراق)، وينتهي العصر العباسي في التاريخ السياسي بسقوط بغداد على يد هولاكو التتري في سنة ٦٥٦ه‍ (١٢٥٨م).

تطور النثر في العصر العباسي:

زخر العصر العباسي بالأحداث التاريخية، والتقلبات السياسية، کما زخر بالتطورات الاجتماعية التي نقلت العرب من حال إلی حال، وقد کان لکل هذا، فضلاً عن نضج العقول بالثقافة، أثر واضح في تطوير الأدب بعامة، والکتابة بصفة خاصة، ولقد تقدمت الکتابة الفنية في هذا العصر تقدماً محسوساً، وسارت شوطاً بعيداً في سبيل القوة والعمق والاتساع.
وأصبح النثر العربي في العصر العباسي متعدد الفروع، فهناك النثر العلمي والنثر الفلسفي والنثر التاريخي، والنثر الأدبي الخالص، وکان في بعض صوره امتداداً للقديم، وکان في بعضها الآخر مبتکراً لا عهد للعرب به.
وکان تشجيع الخلفاء والوزراء والرؤساء للأدب وللکتاب باعثاً علی النهوض بالکتابة، داعياً إلی ارتفاع شأنها، وسمو منزلتها، ثم کان التنافس القوي بين الأدباء وتسابقهم إلی خدمة الخلفاء والرؤساء حافزاً علی تجويدها والتأنق في أساليبها. 
إن الکتابة کانت جواز عبور إلی الوزارة وبعض الوظائف المرموقة في مرافق الدولة، ولذلك کان علی الراغبين في الوصول إلی هذه المناصب العليا إتقان صناعة الکتابة حتی يحققوا أهدافهم التي کانوا يطمحون إليها.
والأغراض التی عبر عنها النثر الفني في هذا العصر قد اختلفت وبعد أن کان النثر الأموي منصرفاً بوجه عام إلی أغراض سياسية وحزبية، ولم يتجه إلی الأغراض الأخری إلا في صورة ضئيلة، فإنه  في العصر العباسي قد اتجه إلی کثير من الأغراض والموضوعات الشخصية والاجتماعية والانسانية؛ کالمدح والهجاء والرثاء والاعتذار والتهنئة والتعزية والاستعطاف، والوصف والنسيب والفکاهة والنصح.
ونستطيع القول بأن النثر خطا خطوة واسعة؛ فهو لم يتطور من حيث موضوعاته وأغراضه فقط؛ بل إن معانيه قد اتسعت وأفکاره قد عمقت، وأخيلته قد شحذت؛ لأن مشاهد الحياة ومقوماتها العامة قد تغيرت.

العوامل التي أثرت في تطور النثر في العصر العباسي:

زخر العصر العباسي بالكثير من الأحداث التي ساعدت على تطور النثر ونهوضه، فكانت هذه الأحداث بمثابة العوامل والأسباب لذلك، ومنها: 
1- اتصال العرب بالحضارات الأجنبية؛ كالفارسية واليونانية والهندية، فترجموا أعمالهم ونقلوا ثقافتهم المختلفة وعلومهم في الطب والهندسة والمنطق والأدب.
2- اختلاط العرب بالأجناس والأقوام، والخوض في معرفة صفاتهم، فاستجلبوا العبيد والجواري والغلمان، ثم ساهموا في تطوير النثر من خلال بث الأفكار الجديدة في الأدب، تلك الأفكار التي تحتاج إلى صور جديدة تقربها للأذهان.
3- اختلاف أساليب الحياة وانتشار الترف ومجالس الغناء والغرق في ملذات الحياة، إضافة إلى ما أشاعته الجواري من حب للجمال، فأدى إلى نهوض الغزل الصريح والماجن.
4- تشجيع الخلفاء والأمراء والوزراء للأدب، ودعوتهم إلى النهوض بالكتابة والرفع من شأنها ومنزلتها، مما جعل التنافس قوياً بين الأدباء، وتسابقهم إلى التأنق بالنثر وأساليبه من أجل نيل إعجاب الخلفاء والأمراء.
5- كانت الكتابة في العصر العباسي من الشروط الواجبة على الأشخاص من أجل توظيفهم في مناصب مرموقة في الدولة، ومن أجل تحقيق كل ما يطمحون إليه.
6- ظهور أجيال جديدة من الأمم المستعربة، والذين دمجوا بين ثقافتهم الغربية وبين الثقافة العربية، فاستحضروا فنوناً جديدة من ثقافاتهم الموروثة من الفرس والهنود واليونان.
7- استقرار أمور الدولة واتساع العمران فيها، مما أدى إلى الرخاء ونضوج العقل والثقافة، ومن ثم ظهور التقدم في الدولة.

مظاهر تطور النثر في العصر العباسي:

نهض النثر في العصر العباسي، ومن أهم مظاهر هذا النهوض هو تنوع فنون النثر وأغراضه، إذ أصبح يتناول جميع مجالات الحياة، فاستخدمته الدولة في شؤونها الاجتماعية والسياسية والثقافية كذلك، فأصبح الكتاب يصلون إلى مناصب وزارية بسبب بلاغة كتاباتهم وفصاحة ألسنتهم، فظهرت رقي الأفكار وعمق المعاني، والتفنن في أساليب النثر وأشكاله، وذلك من سمات النثر العباسي، ومثال ذلك من فنون النثر العباسي:

فن الخطابة:

لما نشأت الدولة العباسية احتاج الخلفاء والأمراء إلى إثبات كلمتهم وتثبيت سلطانهم، وللوصول إلى هذا الهدف كانت الخطابة في العصر العباسي وسيلة للوصول إلى ذلك، كما كانت الفتوح الإسلامية من الأسباب التي أدت إلى ظهور الخطابة، وذلك لبث روح المناضلة والتضحية والجهاد في قلوب المجاهدين، فاختلفت أغراض الخطب، ومنها الخطب التي كانت تقام في مجالس الخلفاء والوزراء، وهي خطب للتهنئة والمدح، إضافة إلى خطب الوعظ والإرشاد وتفقيه الناس في أمور حياتهم ودينهم.
كانت الخطابة لها مكانتها في النفوس ووقْعها في القلوب، فكانوا غالباً ما يَعتلون منابرها هم سادة القوم والبيان، وهم الخلفاء والوزراء الذين عُرفوا بفقههم وأدبهم وفصاحتهم وبلاغتهم، فكان هذا العصر يزخر برجال بلغوا القمة في خطبهم، وصاروا مضرب الأمثال في فصاحتهم وأمثاله. 

أنواع الخطابة في العصر العباسي:

ومن أنواع الخطابة التي عرفت ضمن حركة تطور النثر في العصر العباسي:

أ‌- الخطابة السياسية:

وقد عُرف هذا النوع لِما استدعتْه حاجة العباسيين في ثورتهم، فكانت مضامين هذه الخطب، نسب العباسيين الرفيع المتصل بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، ووصف بني أميّة بالظلم والجور، ولكنها ما لبثت أن تراجعت بعدما تولّى العباسيون الحكم، وقضوا على الثورات التي عارضتهم.

ب - الخطابة الدينية:

عُرفت وازدهرت في هذا العصر، وشارك فيها الخلفاء العباسيون، وقد ازدهر هذا النوع من الخطب في بيئة الوعظ والنسك، حتى اشتهر بها عدد من الوعّاظ، منهم: عمرو بن عبيد المعتزلي واعظ المنصور وابن السمّاك واعظ هارون الرشيد وكان لهم تأثيرهم في السامعين؛ لإيمانهم الشديد، وما مزجوه في خطبهم من قصص دينية.

ج- الخطابة الحلفيّة:

وهي الخطابة المتعلقة بالوفادة على العرب، إلا أن هذا النوع لم يشتهر كما عُرف في العصر الأموي، إذ اقتصر على مناسبات محددة، كتولّي أحد الخلفاء الحكم، ولكنه كثر في الدويلات التي استقلت عن الخلافة العباسية في بغداد.

د- خطب النكاح:

تسمى خطب النكاح أيضاً خطب الزواج أو خطب الملاك، وقد أكثر الناس من النسج على منوال خطبتي نكاح هما:
1- الخطب التي ألقاها أبو طالب عند تزويج النبي ( صلى الله عليه وسلم) من خديجة بنت خويلد. 
2- والخطبة المأثورة عن الإمام علي الرضا.
وتبدو الخطبة التي ألقاها المأمون في تزويج بعض أهل بيته كأنها نسخة من خطبة الإمام علي الرضا، وقد دخل هذا النوع من الخطب طور الجمود في وقت مبكر، فأصبح يعاد ويكرر.

خصائص الخطابة العباسية:
أ‌- من الناحية الموضوعية:

1- اتخذ الخطباء العباسيون الموضوعات التقليدية موضوعاً للقول ، وضاقت بهم سبل التجديد في الموضوعات والمعاني.
2- الأفكار التي عبروا عنها، لم تكن بالعمق الذي ينتظره الباحث من خطباء عاشوا في العصر الذهبي للفكر الإسلامي، فاشتملت خطبهم على أفكار مسطَّحة، نظراً لضيق صدر السلطة، وميل معظم الخطباء إلى إيثار السلامة.
3- يحمد للخطباء العباسيين أنهم كانوا يميلون إلى المعاني الواضحة التي لا ترهق الذهن للكشف عن المقصود.

ب - من ناحية البناء الفني:

كان للخطب العباسية هيكل عام يقوم على أربعة أركان:

1- التحميد:

فقد حرص الخطباء العباسيون على افتتاح خطبهم بحمد الله، وكانوا يسمون كل خطبة لا يذكر فيها الله في أولها بالبتراء، وكانوا يوجزون فيه.

2- الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم):

فقد كانوا يعمدون فيه إلى الإيجاز.

3- الموضوع:

كانوا في عرض موضوعاتهم يميلون إلى الإيجاز مع مراعاة مقتضى الحال.

4- الخاتمة:

غالباً ما كانت تختتم خطبهم بالدعاء، حيث يدعو الخطيب لنفسه ولغيره بما فيه الخير والصلاح.

ج- من ناحية الأسلوب:

1- الميل إلى السلاسة في الأساليب، والسهولة في العبارات والتراكيب.
2- استخدام الجمل المستوية الخالية من التعقيد. 
3- تحاشي استخدام الألفاظ السوقية والألفاظ الموغلة في الغموض، والميل إلى استخدام الألفاظ المألوفة.
4- كثر في الخطب العباسية اللجوء إلى الاقتباس والتضمين.

فن الوصايا:

إنّ الوصايا هي باب من أبواب النثر والقول في العصر العباسي، فقد أجاد بصياغتها حكام بني العباس، إذ تختلف الوصية عن الخطبة، فهي تَميل إلى العقلانيّة والهدوء، والوصية هي قول حكيم بين شخصين، وهي من إنسان مجرّب يُوصي بها من يُحبّه لينتفع بها في حياته. 
خصائص الأسلوب الأدبي للوصية:
ومن خصائص الأسلوب الأدبي للوصية هي دقة المعاني والألفاظ، ووضوح العبارات وقصرها، وهي تعتمد على الترادف والتعليل والإطناب، إضافة إلى الإيقاع الموسيقيّ، والتنوع بالأساليب الخبريّة والإنشائيّة.
تفنّن الحكام والخلفاء في العصر العباسي بتوصية أبنائهم بكلمات بليغة ومُحكمة، دلّت على ثقافتهم الغزيرة بأسرار اللغة العربيّة والبلاغة، والتمكُّن من النحو وقواعده، ومن أمثلة الوصايا في هذا العصر؛ وصيّة المنصور لابنه المهدي، ومن أعظم الوصايا التي مدحها البلاغيّون كابن خلدون إذ قال عنها: إنّها من الآداب الدينية والخلقيّة والسياسة الشرعية والملوكيّة، وهي وصية طاهر بن الحسين لابنه عبدالله.

فن الرسائل:

انقسمت الرسائل في العصر العباسي إلى رسائل ديوانيّة ورسائل إخوانيّة، والرسائل الديوانيّة تُمثّل الرسائل التي يُرسلها الخلفاء إلى المخالفين من قادة الجنود، ومنها رسائل المُبايعات؛ وهي الرسائل التي كان يرسلها خلفاء بني العباس للبيعة لأبنائهم، إضافة إلى رسائل العهود وهي التي كان يكتبها الخلفاء لمن ينوب عنهم في ولاية الأقاليم، كما كان الكتاب يهتمّون بتثقيف أنفسهم، وأن يُتقنوا علوم اللسان العربي وعلم الفقه، وذلك لأنّهم في أغلبهم يكتبون بشؤون الخراج.
اختارت الدولة العباسية وُزراءها من أحذق الكتّاب، فبرزت الشخصيات الأدبيّة آنذاك ومنها؛ عمارة بن حمزة وهو كاتب السفاح والمنصور، وغسان بن عبد الحميد، كاتب المنصور، وأبو عبيد الله معاوية بن يسار وهو كاتب المهدي، والفضل بن سهل كاتب المأمون، وغيرها الكثير أمثال يحيى البرمكي وهو من كتاب الرّشيد، ومن رسائله إلى الرشيد، يقول: (يا أمير المؤمنين، إن كان الذنب خاصًا فلا تعمن بالعقوبة، فإن الله عز وجل يقول ولا تزر وازرة وزر أخرى).

أنواع الرسائل في العصر العباسي:

ومن أنواع الرسائل في العصر العباسي:

أ‌- الرسائل الديوانية:

وقد كثرت وتنوّعت بكثرة الدواوين وتنوّعها، فهناك ديوان للرسائل، ديوان للحرب، وديوان للجيش، وديوان للنفقات، وديوان للخراج، وديوان للدّويلات، بالإضافة إلى ديوان رئيس يشرف عليها. 

مواضيع الرسائل الديوانية:

وكانت مواضيع هذه الرسائل تصرف شؤون الدولة وأعمالها، ومنها: خطاب الحكام للرعيّة، ووصايا الحكام والوزراء لولاتهم في موضوعات السياسة والحكم، وتولية الولاة أو عزلهم، والمبايعة للخلفاء، وأخبار الولايات والفتوح والمناسبات الدينية، وأخبار القضاء والعطاء والخراج

أبرز كتاب الرسائل الديوانية:

ومن أبرز كتاب الرسائل الديوانية: يحيى البرمكيّ، والفضل بن سهل، وابن العميد، والمعتمد بن عباد، وغيرهم كثير، اختلفت أساليبهم في الكتابة، ولكنّها التزمت بالبسملة، ثمّ نص الرسالة، ثم ختم الرسالة وإلحاقه بالحمد والصلاة على النبي، والتذييل باسم الكاتب وتاريخ الكتابة.

ب - الرسائل الإخوانية:

تطوّر النثر في العصر العباسي فشمل برسائله المكاتبات بين الإخوة، والأصدقاء، في المناسبات الاجتماعية من تهنئة أو تعزية وعتاب، أو الهدايا، أو المدح والهجاء، أو الشكوى والشوق، أو الوصف، أو الاستعطاف وطلب المنح، وقد التزمت هذه الرسائل من الناحية الفنية بخصائص الخطابة ذاتها التي التزمَت بها الرسائل الديوانية.

أشكال الرسائل الإخوانية:
1- رسائل الشوق والمودة:

وهي الرسائل التي كان يرسلها الكتاب إلى إخوانهم وأصدقائهم الغائبين عنهم، يتحدثون فيها عما يعتلج في الصدور من شوق وحنين، وما يكنونه نحوهم من حب ومودة، ويعربون عن أملهم في اللقاء، ودعائهم إلى الله سبحانه وتعالى أن يجمع الشمل.

2- رسائل الدعوة:

كان الكُتَّاب يوجهون رسائل إلى الأصدقاء، يدعونهم فيها إلى زيارتهم ومشاركتهم أفراحهم وقد يدعونهم لحضور مأدبة، أو للسمر الذي يخالطه اللهو وسماع المغنيين، أو للشراب، وقد تكون الدعوة لنزهة أو لرحلة.

3- رسائل الإهداء:

اعتاد الناس في العصر العباسي أن يهدي بعضهم بعضاً هدايا مختلفة، كالأطعمة والزهور والورود وغير ذلك، وكان بعضهم يرسل مع الهدية رسالة، يصف فيها الشيء الذي يهديه، ويبين دلالته الرمزية.

4- رسائل التواصي:

التوصية رسالة يرسلها شخص إلى شخص آخر له جاه يشفع عنده لشخص ثالث في أمر من الأمور، أو في قضاء حاجة من حوائجه، وكان هذا النوع من الرسائل مألوفاً في زمن العباسيين.

5- رسائل التهنئة:

كان الكتاب العباسيون يتبادلون رسائل التهاني مع أصدقائهم وأقاربهم في المناسبات السعيدة العامة والخاصة.
ومن هذه الرسائل: رسائل التهنئة بولاية الأعمال والمناصب والمراتب، أو التهنئة بسلامة القدوم، وغير ذلك.

6- رسائل التعزية والمواساة:

تدور رسائل التعزية - بوجه عام - حول الحث على الصبر والرضاء بقضاء الله، والدعوة إلى عدم إظهار الجزع على المصاب، والتذكير بما يلقاه الصابرون من الثواب عن فقدان الأحبة.

7- رسائل المدح:

على الرغم من أن الكُتَّاب في العصر العباسي، كتبوا قطعاً نثرية في المدح؛ فقد ظل المدح النثري لا يلقى رواجاً بالقياس إلى شعر المدح.
وكانت المعاني التي تعاورها الكتَّاب في رسائل المدح، شبيهة بالمعاني التي تعاورها الشعراء في قصائد المدح، كالمدح بالكرم والشجاعة والمروءة، ووصف الممدوح بالبلاغة، وغير ذلك. 

8- رسائل العتاب:

عندما كانت العلاقات بين الكتاب وإخوانهم وأصدقائهم ومعارفهم تتعرض لهزة أو لجفوة؛ فمن الكتاب من كان يلجأ إلى العتاب لإزالة ما علق في النفوس من خلاف، فيكتب إلى صديقه رسالة يبين له فيها وجه عتبه عليه، ويُظهر له فيها أنه متمسك بصداقته وراع لحقه.
وكان يغلب على هذه الرسائل الإيجاز، وعدم الإطالة، والإكثار إلى التمثل بالشعر في ثناياها.

9- رسائل الاعتذار:

كانت هذه الرسائل في العصر العباسي تسير على اتجاهين:
الأول: أن يعترف الكاتب بالذنب والتقصير، ومن ثمَّ يعمد إلى الاعتذار وطلب العفو والتسامح.
والثاني: أن يذكر الكاتب ما نسب إليه من ذنب أو تقصير أو زلة أو إساءة، ومن ثمَّ يعمد إلى التنصل مما نسب إليه وتأكيد براءته بالحلف أو بالشواهد الدالة عليها، وتأكيد صدق ولائه.

فن التوقيعات:

برع حُكّام بني العباس بهذا النوع النثري، وكانت التوقيعات تُعبّر عن عبارة مُوجزة وبليغة، تُوقّع وتُكتب من قبل ملوك الفرس ووزرائهم إلى مَن يُقدّم إليهم من تظلّمات يُواجهها أو شكوى يُعاني منها، فهي قرار مُوجز من سادة القوم لرفع الظلم عن المَظلومين، وهذه التّوقيعات هي مَشهورة ومُنتشرة في كُتب الأدب ومصادر الكُتب التاريخية. 

فن العهود:

العهد وثيقة رسمية تُعطى لتسلُّم منصب كبير في الدولة، أو لمزاولة عمل مهم فيها، وهو أشبه ما يكون بدستور مصغر أو منهج مرسوم، يستلهمه الموكل بأحد الأعمال في تسيير عمله.
وهناك نوع آخر من العهود وهو العهد بالأمان، ومنه عهد الأمان للمدن والبلاد وأهلها، وكان كثيراً في فترة الفتوحات الإسلامية، ثم أصبح نادراً بعد توقف حركة الفتح.

فن المناظرات:

إن المُناظرة هو فن نثري يختص بدراسة الفعاليّة الحواريّة والتناظريّة بين شخصين، وذلك يُطوّر أسلوب المُباحثة بين الطرفين، فكل منهما يسعى لإثبات أنه الصواب والأحقّ في أحد ميادين المعرفة، وكل طرف يُحاول أن يسند رأيه بأدلّة مُناسبة تُواجه اعتراضات الخصم، وازدهرت المُناظرات في العصر العباسي فتعدّدت مواضيعها بين النحو والفلسفة والفقه والعقيدة، كما أنها اشتهرت في قصر المأمون وقصور البرامكة، ومن أشهر المُناظرين أبو الهذيل العلّاف، والنظام، وبشر بن المعتمر وغيرهما كثير.

فن المقامات: 

والمقامات فن نثري ظهر فقط مع تطور النثر في العصر العباسي، في القرن الرابع الهجري، على يد بديع الزمان الهمذاني، ولكن الهمذاني استفاد في إنشاء هذا الفن وتطويره من العديد من الأعمال الأدبية السابقة، كأحاديث ابن دريد التي رواها أبو علي القالي في كتابه الأمالي، وحكايات الجاحظ عن البخل والبخلاء وأشعار الكدية.
وتعرف المقامة بأنها بناء حكائي أو قصصيّ، يحكي قصة من قصص الكدية التي تعكس تغيّر الكثير من القيم الأخلاقيّة في العصر العباسي، وتُطرح بأسلوب أدبي مسجوع متأنق في اختيار الألفاظ وإبراز المعاني، ويستخدم فيها الحوار والسرد جنباً إلى جنب بما يضفي إليها نوعًا من التشويق، مع المزاوجة بين الشعر والنثر الذي يعكس قدرةَ كاتبها الأدبيّة واللغويّة، وتتضمّن كلّ مقامة راوياً هو عيسى بن هشام، وبطلاً هو أبو الفتح الإسكندريّ في مقامات الهمذاني، ولدى كاتب آخر من كتاب المقامات هو الحريري، يبرزُ الراوي الحارث بن همام، والبطل أبو زيد السروجيّ، ومن أبرز مقامات الهمذاني وأكثرها انتشارًا المقامة البغدادية.

عناصر المقامة الأدبية:

1- الراوي: ينقلها عن مجلس تحدث فيه.
2- مكدي (البطل): تدور القصة حوله وتنتهي بانتصاره في كل مرة.
3- العقدة (نكتة): تحاك حولها المقامة، وقد تكون هذه العقدة بعيدة عن الأخلاق الكريمة، وأحياناً تكون سمحة.

أبرز كتاب المقامات في العصر العباسي:

من أبرز كتاب المقامات في العصر العباسي هما:
1- بديع الزمان الهمذاني 
2- أبو القاسم الحريري 

بعض خصائص النثر في العصر العباسي:

1- الاهتمام بشكل كبير بجزالة وفصاحة الألفاظ المستخدمة على الرغم من دخول ألفاظ غريبة عليها.
2- البعد عن الألفاظ البدوية غير الملائمة بالإضافة إلى البعد عن الكلام المبتذل.
3- تلائم الكلمات في النثر مع الجرس الصوتي في الكتابة.
4- مراعاة بعض العوامل عند اللجوء إلى الإطناب أو الإيجاز في النثر.
5- الأسلوب الواضح والمباشر في النثر.
6- وضوح المعنى ودقته.
7- استخدام أسلوب ترتيب الأفكار وتنظيمها بشكل مرتب وتسلسلي.

مدارس النثر في العصر العباسي:

مع تطور الأساليب النثرية وكثرة شعراء العصر العباسي وبروز عدد من الأدباء الذين أبدعوا في الكتابة كان لابد لكل كاتب منهم أن يتميز بأسلوبه النثري الخاص به مما أدى إلى تنوع وتعدد المدارس والأساليب للنثر في العصر العباسي، ومن بينها:

1- أسلوب ابن المقفع:

كان أول من أرسى دعائم أسلوب النثري القائم على المزج بين لغة الخاصة بصعوبتها وغرابتها ولغة العامة بسهولتها وشعبيتها، ولائم أسلوبه الأدبي بين مستجدات العصر الثقافية وحاجاته، وبين مقومات اللغة العربية النحوية واللغوية وأصولها، وتميز أسلوبه بأنه سهل ممتنع، حيث يتميز بجزالة اللفظ ورصانته وبعده عن غريب الألفاظ وحرصه على تناسب اللفظ مع المعنى.

2- أسلوب الجاحظ:

تميز بالعديد من الخصائص والمميزات، حيث أنه أول من أقام الجدل بين الحالات المتناقضة والأشياء، وأول من وضع كتاباً في فكر أو رأي ما، ومن أهم سمات أسلوبه الأدبي كثرة الاستطراد واستخدامه كل طاقات اللغة الموسيقية مما يحقق لجملته إيقاعاً موسيقياً.

أعلام الكتاب في العصر العباسي:

ظهر في هذا العصر عدد كبير من الكتاب والمؤلفين، منهم:
1- عبد الله بن المقفع
2- الجاحظ
3- ابن قتيبة
4- أبو الفرج الأصفهاني
5- أبو الفضل ابن العميد
6- القاضي الفاضل 
7- أبو حيان التوحيدي
8- بديع الزمان الهمذاني
9- الحريري
10- الأصمعي 
11- المبرد 
12- الصاحب بن عباد 
13- الثعالبي 

أهم وأشهر المؤلفات في العصر العباسي:

ظهرت في العصر العباسي عدة مؤلفات في النثر، منها:
1- الكامل للمبرد
2- أدب الكاتب لابن قتيبة
3- كتاب نقد النثر لقدامة بن جعفر
4- رسالة في موازين البلاغة وتسمى بالعذراء لإبراهيم بن المدبر. 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حیاتِ متنبی اور اُس کی شاعری

مساهمة توفيق الحكيم في تطوير المسرحية

أبيات بشار بن برد في الشورى والجد والمعاشرة