تأثير القرآن الكريم على العرب ولغتهم العربية
العرب أصحاب اللغة العربية:
العرب من الشعوب السامية، وقد طمست معالم تاريخهم القديم، وليس لدينا إلا بعض النقوش المكتشفة في بلاد اليمن، وأقدمها يرتقي إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد، وهي لا تطلعنا إلا على النزر اليسير من أخبار أصحابها.
ويقسم العرب إلى قسمين كبيرين: ١- العرب البائدة، ٢- والعرب الباقية.
فالعرب البائدة هم الذين درست آثارهم من مثل عاد وثمود، وقد عثر لهم العلماء على نقوش تطلعنا على أن لغة تلك الشعوب تختلف عن لغة العرب في ما وصل إلينا من آدابهم.
وأما العرب الباقية فهم قسمان كبيران: ١- القحطانيون، ٢- والعدنانيون.
أما القحطانيون - ويسمون العرب العاربة لأنهم أصل العرب - ينسبون إلى يعرب بن قحطان، وهم اليمانيون المعروفون بعرب الجنوب.
وأما العدنانيون - ويسمون العرب المستعربة; لأنهم وفدوا الجزيرة من البلاد المجاورة، واختلطوا بأهلها، فتعربوا - فهم النزاريون أو المعديون، ويعرف منهم الحجازيون والنجديون والأنباط وأهل تدمر.
ويقسم العرب إلى قسمين كبيرين: ١- العرب البائدة، ٢- والعرب الباقية.
فالعرب البائدة هم الذين درست آثارهم من مثل عاد وثمود، وقد عثر لهم العلماء على نقوش تطلعنا على أن لغة تلك الشعوب تختلف عن لغة العرب في ما وصل إلينا من آدابهم.
وأما العرب الباقية فهم قسمان كبيران: ١- القحطانيون، ٢- والعدنانيون.
أما القحطانيون - ويسمون العرب العاربة لأنهم أصل العرب - ينسبون إلى يعرب بن قحطان، وهم اليمانيون المعروفون بعرب الجنوب.
وأما العدنانيون - ويسمون العرب المستعربة; لأنهم وفدوا الجزيرة من البلاد المجاورة، واختلطوا بأهلها، فتعربوا - فهم النزاريون أو المعديون، ويعرف منهم الحجازيون والنجديون والأنباط وأهل تدمر.
أصل اللغة العربية وتطورها:
ظهرت اللغة العربية في البلاد التي تسمى "شبه جزيرة العرب"، كما تسمى "الجزيرة العربية" توسعاً، وهي إحدى اللغات السامية التي كان ينطق بها العرب قديماً في شبه جزيرة العرب الواقعة في الجانب الغربي من قارة آسيا، وقد بقيت هذه اللغة أقرب تلك اللغات إلى الأصل، وإن كانت أحدثها نشأة وتاريخاً، إلا أن أوائلها لا تزال مطوية في مجاهل التاريخ، وجل ما نعرفه أن هناك لغتين تفرعت عنهما سائر اللهجات العربية، هما لغة الجنوب أو اللغة الحميرية، ولغة الشمال أو اللغة المضرية.وكانت لغة اليمن القحطانية تختلف عن لغة الحجاز العدنانية في الأوضاع والتصاريف وأحوال الاشتقاق، حتى قال أبو عمر بن العلاء (٧٧٠م): "ليست لغة حمير بلغتنا ولا عربيتهم بعربيتنا."
وقد تطورت اللغة المضرية الحجازية بالتمازج والاختلاط حتى وصلت إلى الحالة التي هي عليها في ما بلغنا من الأدب العربي الجاهلي وفي القرآن، فلقد ثبت أن قبائل جنوبية هجرت ديارها، وانتشرت في الحجاز وشمالي الجزيرة منذ قبل الميلاد، وثبت أن عرب الجنوب كثيراً ما ارتادوا الديار الشمالية للاتجار، فاختلط القحطانيون بالعدنانيين اختلاطاً شديداً، وتقاربت اللغتان الحميرية والمضرية للتفاهم، واشتد التفاعل والتطور مدة نحو خمسة قرون، وقد تغلبت المضرية العدنانية أخيراً على الحميرية القحطانية لانهيار دولة الجنوب، ولكن المضرية خرجت من ذلك الاختلاط أكثر اتساعاً، وأكثر انفتاحاً على الحضارة وأسبابها.
وكان للقبائل العربية لهجات مختلفة الفروع ومتحدة الأصول، وكان لهم كذلك إلى جنب تلك اللهجات هنوات كثيرة منها غمغمة قضاعة وعنعنة تميم، وتكونت بجانب اللهجات القبلية المختلفة التي تنطق بها كل قبيلة، ولا يعسر فهمها على سائر القبائل، لغة مثالية خالية من العيوب والهنوات هي لغة المجتمعات الأدبية، ولغة الشعر والخطابة، انصهرت فيها جميع اللهجات واللغات العربية، وتكونت من أحسن ما في تلك اللغات من عناصر، ونفضت عنها جميع العيوب التي وسمت سائر اللهجات، فبرزت أحسن بروز في القرآن وفي ما وصل إلينا من أدب الجاهلية الرفيع، وقد طغت على تلك اللغة المثالية لهجة قريش لأسباب، وكانت لهجة قريش أقل اللهجات عيوباً وهنوات، وأفصحها بياناً.
وأما أسباب تكوين هذه اللغة الأدبية فكثيرة، منها:
١- الأسواق:
ومن أشهرها سوق عكاظ قرب مكة، ومجنة وذو المجاز وكلاهما في ضواحي مكة أيضاً، وكان لها أثر بليغ في توحيد اللسان وتعميم اللغة المثالية، وتغليب لغة قريش على سائر اللغات.٢- قريش:
فكانت مكة محطاً للقوافل من عهد عهيد، وكانت موطن قريش موضوع إجلال العرب لما ورثته من شرف وسؤدد وثراء، كما كانت مقام الكعبة يفد إليها الحجاج من جميع الآفاق، فكان لقريش نصيب وافر في توحيد اللغة، تهذب لهجتها بما تأخذه من لغات القبائل الوافدة على بلادها، مما خف على اللسان وعذب في السمع، وكان العرب يقلدون لسانها، والشعراء والخطباء يؤثرون ما هو من ذلك اللسان، وكان الشعر ينتشر من تلك الأصقاع في جميع نواحي البلاد حاملاً إليها لهجة قريش وأسلوبها، وهكذا كانت اللغة المشتركة المثالية قريبة من لغة قريش كل القرب.وكانت اللغة تواصل تطورها مكتملة ما ينقصها بما تأخذه من محاسن لغات كثيرة وحضارات كثيرة حتى وصلت إلى عصر الأدب الجاهلي، ثم ما إن ظهر فيها القرآن حتى ثبتها، وعمل على حفظها بالرغم من تقلبات الأيام وأحداث الزمان.
تعريف القرآن الكريم لغة:
جاء في لسان العرب: "معنى القرآن معنى الجمع، ويسمى قرآناً; لأنه يجمع السور فيضمها."تعريف القرآن الكريم اصطلاحاً:
تعددت تعاريف العلماء للقرآن بسبب تعدد الزوايا التي نظر منها العلماء إلى القرآن، فقال صاحب التعريفات: "هو المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبه، والقرآن عند أهل الحق: "هو العلم اللدني الإجمالي الجامع للحقائق كلها."تأثير القرآن الكريم على العرب ولغتهم العربية:
إن الحديث عن القرآن الكريم وتأثيره على العرب ولغتهم العربية حديث شيق يبعث الاعتزاز في النفس بأفضل القرآن الكريم واللغة العربية، وقد اختار الله تعالى لكتابه أفصح اللغات، فقال تعالى: "إنا جعلناه قرآناً عربياً." (سورة الزخرف:٣) وقال تعالى: "نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين." (سورة الشعراء:١٩٣-١٩٥) وقال تعالى: "قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون." (سورة الزمر:٢٨) ومن الأدلة التي تؤكد وجود تأثير القرآن الكريم في اللغة العربية قوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون." (سورة الحجر:٩) فيحفظ الله عز وجل اللغة العربية بحفظ كتابه، فهي باقية ببقائه إلى يوم الدين، ويمكننا ذكر ما أحدثه القرآن الكريم في العرب ولغتهم العربية من آثار فيما يلي:المحافظة على بقاء اللغة العربية:
إن السر الكامن وراء خلود اللغة العربية والحفاظ عليها من الاندثار هو القرآن الكريم بما كان له من أثر بالغ في حياة الأمة العربية، وتحويلها من أمة تائهة إلى أمة عزيزة قوية بتمسكها بهذا الكتاب الذي صقل نفوسهم، وهذب طباعهم، وطهر عقولهم من رجس الوثنية وعطن الجاهلية، وألف بين قلوبهم، وجمعهم على كلمة واحدة توحدت فيها غاياتهم، ورفع من بينهم الظلم والاستعباد، فقد كان القرآن الكريم ولا يزال كالطود الشامخ يتحدى كل المؤثرات والمؤامرات التي حيكت وتحاك ضد لغة القرآن الكريم، يدافع عنها.فلما كان القرآن الكريم بهذه المنزلة لا جرم أن المسلمين أقبلوا عليه، ودافعوا عنه، واعتبروا أن كل عدوان على القرآن هو عدوان على اللغة العربية، وأن النيل من اللغة العربية هو النيل من القرآن الكريم، ولذلك فإن بقاء اللغة العربية إلى اليوم وإلى ما شاء الله راجع إلى الدفاع عن القرآن الكريم; لأن الدفاع عنه يستتبع الدفاع عنها; لأنها السبيل إلى فهمه، بل لأنها السبيل إلى الإيمان بأن الإسلام دين الله، وأن القرآن من عند الله لا من وضع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، فالقرآن الكريم بحكم أنه لسان الإسلام الناطق ومعجزته الخالدة، هو الذي حفظها من الضياع.
تقوية اللغة العربية واستقرارها:
منح القرآن الكريم اللغة العربية قوة ورقياً ما كانت لتصل إليه لولا القرآن الكريم، بما وهبه الله من المعاني الفياضة، والألفاظ المتطورة، والتراكيب الجديدة، والأساليب العالية الرفيعة، فأصبحت بذلك محط جميع الأنظار، والاقتباس منها مناط العز والفخار، وغدت اللغة العربية تتألق وتتباهى على غيرها من اللغات بما حازت عليه من محاسن الجمال وأنواع الكمال.واعترف أعداء العربية من المستشرقين وغيرهم بقوة اللغة العربية وحيويتها وسرعة انتشارها، فيقول "أرنست رينان": "من أغرب ما وقع في تاريخ البشر، وصعب حل سره، انتشار اللغة العربية، فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ بدء، فبدأت فجأة في غاية الكمال، سلسة أي سلاسة، غنية أي غنى، كاملة بحيث لم يدخل عليها إلى يومنا هذا أي تعديل مهم، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامة مستحكمة، ومن أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أمة من الرحل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها، وكانت هذه اللغة مجهولة عند الأمم، ومن يوم علمت ظهرت لنا في حلل الكمال إلى درجة أنها لم تتغير أي تغير يذكر، حتى إنه لم يعرف لها في كل أطوار حياتها لا طفولة ولا شيخوخة، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تباري."
ويقول بروكلمان: "بفضل القرآن بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن اللغة العربية هي وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت اللغة العربية منذ زمان طويل رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى التي تنطق بها شعوب إسلامية.
ومما لا شك فيه أن اعتراف أمثال هؤلاء، لا يقوي من وضع اللغة العربية أو يأخذ بيدها إلى الرفعة، وإنما ذكرنا أقوالهم لنبين أن الفضل ما شهدت به الأعداء.
وكما منح القرآن الكريم اللغة العربية قوة ورقياً، فإنه قد جعلها مستقرة أيضاً رغم أن التطور سنة جارية في كل اللغات، فاللغة العربية ظلت محتفظة لكل مستوياتها اللغوية (الصوتية، والصرفية، والتركيبية، والدلالية)، وأما ما تطور منها كان في إطار المعاني الأصلية، وعلى صلة بها.
ومما يدل على استقرار اللغة العربية أن الإنسان - رغم مرور أربعة عشر قرناً عليها - لا يكاد يجد صعوبة في فهم نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وتصادفه غرابة في الألفاظ، ثم إن مزية استقرار اللغة العربية التي تفردت بها عن سائر اللغات التي تغيرت وتبدلت تغيراً وتبدلاً، يؤدي بنا إلى التساؤل عن سبب هذه المزية، ولن نجد سبباً مقنعاً لهذه المزية إلا أنها أثر من آثار القرآن الكريم.
توحيد لهجات اللغة العربية:
إن اللغة العربية كانت لها لهجات مختلفة، تحتوي على الفصيح والأفصح، والرديء والمستكره، وكانت القبائل العربية معتدة بلهجتها حتى إن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف من أجل التخفيف على العرب في قراءته وتلاوته، ولا شك أن لغات العرب متفاوتة في الفصاحة والبلاغة، ولذلك نجد عثمان رضي الله عنه قد راعى هذا الجانب في جمعه للقرآن، وقال للجنة الرباعية: "إذا اختلفتم أنتم فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلغتهم." وما ذلك إلا لأن لغة قريش أسهل اللغات، وأعذبها، وأوضحها، وأبينها، وكانت تحتوي على أكثر لغات العرب، ونظراً لكونهم مركز البلاد وإليهم يأوي العباد من أجل الحج أو التجارة، فقد كانوا على علم بمعظم لغات العرب بسبب الاحتكاك والتعامل مع الآخرين، ولكن لغتهم أسهل اللغات.جعل اللغة العربية لغة عالمية:
اللغة هي صورة صادقة لحياة الناطقين بها، والعرب قبل نزول القرآن الكريم، لم يكن لهم شأن يذكر أو موقع بين الأمم آنذاك حتى تقبل الأمم على تعلم لغتهم والتعاون معهم، فليست لغتهم لغة علم ومعرفة، وكذلك ليس لديهم حضارة أو صناعة، فكل ذلك جعل اللغة تقبع في جزيرتها، فلا تبرح إلا لتعود إليها، والأمة العربية في ذاك الوقت لم تكن الأمة التي يغري مركزها السياسي أو الديني أو الاجتماعي بالتحبب إليها والاتصال بها، واللغة العربية نفسها لم تكن لغة علوم ومعارف.وقد ظلوا كذلك، حتى جاء القرآن الكريم يحمل أسمى ما تعرف البشرية من مبادئ وتعاليم، فدعا العرب الآخرين إلى دينهم، ومما لا شك فيه أن أول ما يجب على من يدخل في الإسلام هو تعلم اللغة العربية لإقامة دينه، وصحة عبادته، فأقبل الناس أفواجاً على تعلم اللغة العربية لغة القرآن الكريم، ولولا القرآن الكريم لم يكن للغة العربية هذا الانتشار وهذه الشهرة.
يقول نور الدين عتر: "وقد اتسع انتشار اللغة العربية جداً حتى تغلغلت في الهند والصين وأفغانستان، وحسبنا شاهداً على ذلك من نعلمه من مشاهير العلماء من تلك البلاد مثل البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجة القزويني، وغيرهم وغيرهم."
وخلاصة القول، كما يقول الباقوري: "أن اللغة العربية ما كانت تطمع في أن يتعدى سلطانها جزيرتها، فتضرب الذلة على لغات نمت في أحضان الحضارة، وترعرعت بين سمع المدينة وبصرها في ممالك ما كان العربي يحلم بها، فضلاً عن أن يكون السيد المتصرف فيها، ولكن القرآن الكريم انتزعها من أحضان الصحراء، وأتاح لها ملكاً فسيح الأرجاء، تأخذ منه لألفاظها ومعانيها، وأغراضها وأسلوبها، ما لم تمكنها منه حياته البدوية، فبعد أن كانت ثروتها في حدود بيئتها، أصبحت غنية في كل فنون الحياة، فأقبل الناس إليها مدفوعين إلى معرفة أحكام الدين، وأداء واجبات الإسلام."
جعل اللغة العربية لغة تعليمية:
من الثابت المعروف أن العرب قبل نزول القرآن الكريم كانوا يجرون في كلامهم وأشعارهم وخطبهم على السليقة، فليس للغتهم تلك القواعد المعروفة الآن، ذلك لعدم الحاجة إليها، ولا أدل على ذلك من أن التاريخ يحدثنا عن كثير من العلماء الذين صرحوا أن لغتهم استقامت لما ذُهِب بهم إلى الصحراء لتعلم اللغة العربية النقية التي لم تشبها شائبة، ومن هؤلاء الإمام الشافعي رحمه الله، وأن الوليد بن عبد الملك كان كثير اللحن; لأنه لم يغترف لغته من الينبوع العربي الصحراوي الصافي.ولما اتسعت الفتوح، وانتشر الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، احتك العجم بالعرب، فأفسدوا عليهم لغتهم، مما اضطر حذيفة بن اليمان الذي كان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، أن يرجع إلى المدينة المنورة ويقول لعثمان رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها اختلاف اليهود والنصارى..." فأمر عثمان رضي الله عنه بجمع القرآن الكريم، وهذا ما حصل، فقد ضعفت اللغة مع مرور الأيام، وفشا اللحن في قراءة القرآن، الأمر الذي أفزع أبا الأسود الدؤلي، وجعله يستجيب لوضع قواعد النحو التي هي أساس ضبط حركات الحروف والكلمات، وبذلك تم ضبط المصاحف بالشكل حفاظاً على قراءة القرآن الكريم من اللحن والخطإ.
وليس هذا فحسب، بل يرجع الفضل للقرآن الكريم في أنه حفظ للعرب رسم كلماتهم، وكيفية إملائهم، على حين أن اللغات الأخرى قد اختلف إملاء كلامها، وعدد حروفها.
ويقول نور الدين عتر: "والسر في ذلك أن رسم القرآن الكريم جعل أصلاً للكتابة العربية، ثم تطورت قواعد إملاء العربية بما يتناسب مع مزيد الضبط وتقريب رسم الكلمة من نطقها، فكان للقرآن الكريم الفضل في حفظ رسم الكلمة عن الانفصام عن رسم القدماء."
وهكذا أصبحت اللغة العربية تكتسب بالتعلم والتعليم.
تهذيب اللغة العربية:
إن اللغة لأية أمة هي صورة صادقة لذوقها العام وطبيعتها، وإذا كان للبقاع تأثير في الطباع فمما لا ريب فيه أن اللغة تتأثر كذلك حسب الناطقين بها، والعرب أمة أكثرها ضارب في الصحراء، لم يتحضر منها إلا القليل، فلا جرم كان في لغتهم الخشن الجاف، والحوشي الغريب، وقد أسلفنا عن الواسطي أن لغة قريش كانت سهلة لمكان حياة التحضر التي كانت تحياها في ذلك.أ- ولقد نحى القرآن الكريم عن اللغة التقعر في الكلام، والغريب، والألفاظ الحوشية الثقيلة على السمع، وإن من يتأمل الأدب الجاهلي ويتدبره، يزداد إيماناً بما للحضارة من أثر ألفاظ اللغة، فإنه سيرى في أدب أهل الوبر كثيراً من مثل "جحيش" و "مستشرزات" و "جحلنجع"، وما إلى ذلك مما ينفر منه الطبع، وينبو عنه السمع، على حين أنه يكاد لا يصادفه من ذلك شيء في أدب القرشيين.
ب- ولقد نحى القرآن الكريم أيضاً كثيراً من الألفاظ التي تعبر عن معان لا يقرها الإسلام، ومن ذلك:
١- المرباع: وهو ربع الغنيمة الذي كان يأخذه الرئيس في الجاهلية.
٢- النشيطة: وهي ما أصاب الرئيس قبل أن يصير إلى القوم، أو ما يغنمه الغزاة في الطريق قبل بلوغ الموضع المقصود.
٣- المكس: دراهيم كانت تؤخذ من بائعي السلع في أسواق الجاهلية، ومثل ذلك كثير.
إثراء اللغة العربية وتنميتها:
لقد أضاف القرآن الكريم نموذجاً للتعبير بالعربية لم تعرفه العربية من قبل، نموذجاً له الخلود والبقاء لا تمسه يد التغيير والتحريف، وقد كانت العربية قبل نزول القرآن الكريم تصنف إلى شعر ونثر، فلما القرآن الكريم صارت نماذج التعبير اللغوي في العربية ثلاثة: قرآناً، وشعراً، ونثراً، ولا ينبغي أن يصنف القرآن الكريم تحت عنوان النثر; لأن القرآن ليس بنثر ولا بشعر، وإنما هو كلام رب العالمين.وكما استحدث القرآن الكريم أسماء جديدة تعرف بالألفاظ الإسلامية التي جاءت تعبيراً عن المعاني الإيمانية الجديدة التي لم يكن للعرب معرفة بها، ومن ذلك:
١- الإيمان: كان بمعنى التصديق مطلقاً، ثم صار له المعنى الشرعي "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره".
٢- الكفر: كان بمعنى الستر مطلقاً، ثم صار له المعنى الشرعي "تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به".
٣- كانت بمعنى الدعاء مطلقاً، ثم صار لها المعنى الشرعي المعروف.
٤- الزكاة: كانت بمعنى النماء مطلقاً، ثم صار لها المعنى الشرعي "القدر الواجب إخراجه لمستحقيه في المال الذي بلغ نصاباً معيناً بشروط مخصوصة".
٥- الحج: كان بمعنى القصد مطلقاً، ثم صار له المعنى الشرعي "القصد إلى بيت الله الحرام لأداء أفعال مخصوصة".
٦- المغفرة: كانت بمعنى الستر مطلقاً، ثم صار لها المعنى الشرعي "الصفح والعفو".
وكذلك الألفاظ الاصطلاحية التي نشأت في رحاب العلوم الشرعية المرتبطة بالقرآن الكريم، مثل: التوحيد، والفقه، وأصول الفقه، والتفسير، والنحو، والصرف... ولقد كان القرآن الكريم - بحق - السبب المباشر والرئيس وراء نشأة علوم العربية، وكان لكل علم من هذه العلوم مصطلحاته الخاصة.
القرآن مفجر علوم العربية:
من أجل خدمة القرآن الكريم، ومحاولة تيسير فهمه ونطقه على المسلمين الأعاجم، ولصيانته من اللحن والتحريف، قامت جهود فريدة لخدمة هذا الكتاب، فنشأت علوم لخدمة القرآن الكريم بصورة مباشرة هي: علوم القرآن، لدراسة كل ما يتصل بالقرآن مثل: أسباب النزول، وأول ما نزل وآخر ما نزل، والقراءات القرآنية ونحو ذلك.وكما كان للمفسرين دور بارز في تفسير آيات القرآن الكريم، فقد شارك معهم اللغويون بدور مميز، حيث تناولوا لغات القرآن الكريم، فمن ذلك: "لغات القرآن" للأصمعي، و "لغات القرآن" للفراء، كما تناولوا غريب القرآن الكريم، فمن ذلك: "غريب القرآن الكريم" لابن قتيبة.
وكان للنحويين أيضاً مشاركة فعالة على نحو ما نجده عن الأخفش والكسائي والفراء في مؤلفاتهم تحت عنوان: "معاني القرآن الكريم".
وبالجملة فإن القرآن الكريم له الفضل الأكبر في خلود اللغة العربية وبقائها، ولولاه لعفت آثارها ودرست معالمها.
المصادر والمراجع:
تاريخ الأدب العربي لـ "حنا الفاخوري".
أثر القرآن الكريم في الأدب العربي لـ "حميدي لامية" و "منصوري حورية".
دراسة تاريخية عن أثر القرآن الكريم في اللغة العربية لـ "د. أوريل بحر الدين.
تعليقات
إرسال تعليق
Please do not enter any spam links in the comment box.