الموشح في الأدب العربي


حقيقة الموشح:
الموشح شعر، بل نوع خاص من الشعر قاد إليه الغناء، كما قادت إليه طبيعة الحياة والأحوال الاجتماعية، ولا تنطبق عليه قواعد العروض وإن نظم بعضه على بعض أوزان العروض.

اسم الموشح:
اسمه مأخوذ من وشاح المرأة وهو قلادة من نسيج عريض مرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها، فإن الموشح شعر جديد في تسميته، وفي تركيبه، وقالب التقفيه فيه، وفي اتساع دائرة وزنه، وفي صياغته وتعدد أجزائه.
قال مصطفى عوض الكريم: "التوشيح لون من ألوان النظم ظهر أول ما ظهر بالأندلس في عهد الدولة المروانية في القرن التاسع الميلادي.

تركيب الموشح:
المطلع - القفل - الخرجة: يتألف الموشح من مطلع يسمى مذهبا، وإن وحد المطلع سمي الموشح تاما، وإن خلا سمي أقرع، ويسمى كل مطلع متردد قفلا، وليس للأقفال عدد محدود، والقفل الأخير في الموشح يسمى خرجة، والخرجة من أهم عناصر الموشح بل أهمها على الإطلاق.

الدور:
يتألف الموشح أيضا من الدور، وهو ما يعقب المطلع في الموشح ويقع بين الأقفال، وهو يتألف من أجزاء أقلها ثلاثة فصاعدا إلى خمسة، ولا يتجاوز الخمسة إلا نادرا.

الغصن – السمط:
والجزء في المطلع والقفل والخرجة يسمى غصنا، والجزء في الدور يسمى سمطا، وقد يكون السمط مفردا أو مركبا من فقرتين أو أكثر.

تقفية الموشحات ووزنها:
إن الموشحات شعر عربي، وإن هذا الشعر قام في الأساس على قاعدة القافية والوزن التي قام عليها سائر الشعر العربي، وإنه بتأثير الغناء والبيئة راح يتردد من القيود التقليدية.
والموشحات تنقسم من حيث الوزن إلى خمسة أقسام: القسم الأول ما كان على وزن شعري تقليدي، والثاني ما أخرجته عن الوزن الخليلي (الذي وضعه الخليل) حركة أو كلمة، والثالث ما اشترك فيه أكثر من وزن واحد، والرابع ما له وزن من غير الأوزان الخليلية يدركه السمع عند قراءته، والخامس ما ليس له وزن يدركه السمع عند قراءته، ولا يوزن إلا بالتلحين، وذلك بمد حرف وقصر آخر، وإدغام حرف في حرف، وغير ذلك من فنون التلحين.
وبالجملة فإن الموشح نوع من الشعر جديد في الأدب العربي من حيث التقفيه والوزن؛ لأنه يخرج خروجا أساسيا عن القواعد العروضية.

نشأة فن التوشح وأطواره:
أجمع الثقات من أهل العلم والأدب أن نشأة فن التوشح كانت بالأندلس، وأن ما قيل خلافا لذلك إنما هو وهم فاشل وزعم باطل، وتاريخ ظهور الموشحات غارق في عالم من الغموض، ونشأت نشوءا طبيعيا على ألحان الأناشيد الشعبية التي كانت شائعة في البلاد، وكان محمد بن حمود القبري أول من عرف بها، وابن عبد ربه أول من اشتهر، والقزار من النابغين الذين خطوا طريق النجاح في ذلك الفن، وإن الموشحات ما هي إلا تقليد لشعر غنائي عجمي صنع من أجل الغناء.
ظهور الموشح في الأندلس دون المشرق، وفشل المشارقة في تقليد الأندلسيين في فن التوشيح لا نفسره إلا أن الأندلسيين كانوا أحذق في تقليد ذلك الشعر الغنائي العجمي، وأن الشاعر المشرقي الوحيد - باعتراف ابن خلدون - الذي استطاع أن يأتي بموشحة خالية من التكلف هو ابن سناء المُلك الذي أدرك أن إحكام صناعة الموشحات لا يتأتى إلا لمن عاش في بيئة أندلسية.

تطوره:
وأما تطور فن التوشيح فقد جرى وفاقا لسنة التطور الحياتي، فكانت الموشحات – على حد قول ابن بسام – في أول نشأتها تنظم أشعارا على الأعاريض المهملة غير المستعملة دون تضمين فيها ولا أغصان، ثم جاء يوسف بن هارون الرمادي، فكان أول من أكثر من التضمين في المراكز، ثم جاء عبادة بن ماء السماء، فتكامل معه نظام الموشحات، وهو الذي أعطاها شكلها التام في بناء الأقفال والأدوار، وائتلاف غصونها وسموطها، وتداخلها بعضها في بعض، بحيث لا نستطيع الوقوف على جزء منها حتى تنتهي إلى الخرجة التي يتشوق إليها السامعون وينتظرونها في شوق ولهفة، ثم كانت عصور ملوك الطوائف والمرابطين والموحدين، فازدهر فيها ازدهارا كبيرا حافلا بالروعة.

أشهر الوشاحين:
انتشر فن التوشيح في الأندلس انتشارا واسعا جدا، واشتهر فيه عدد كبير من الشعراء منهم: عبادة بن ماء السماء، ومحمد بن عبادة القزاز، والأعمى التطيلي، وابن بقي، والحسن بن نزار، والحفيد بن زهر، وابن زمرك.
وأشهر الوشاحين في الشرق هو أبو القاسم هبة الله.

أغراض الموشحات:
وضعت الموشحات أول ما وضعت للتغني بالعواطف القلبية والتعبير عن خوالج الوجدان، ثم راحت مع الأيام تتسع لكل موضوع ولكل غرض كالمدح، والرثاء، والهجاء، والزهد، والتصوف.

نموذج من الموشحات:
قصيدة من ولي في أمة أمراً ولم يعدل
من وليِ فـي أمـة أمراً ولـم يعدلِ   
يعــذَلِ إلاّ لِحاظَ الرشَأِ الأَكْحــلِ 

جرتَ في حكْمك فـي قَتْلي يا مسرِفُ   
فـانْصف فواجب أن ينْصفَ المنْصـفُ

وار أَ ف فــإن هـذا الشوقَ لا يرأفُ   
عـلِّــلِ قلبي بذاك البــارد السلسـلِ

ينْجــلِ ما بفؤادي من جوي مشْعـلِ   
إنَّمـــا تَبرز كي تُوقـد نـار الفتَن

صنَمــا مصوراً من كلِّ شيئٍ حسن   
إِن رمـى لم يخْط من دونِ القلوبِ الْجنَن

كيـف لي تَخَلُّص من سهمك المرسـل  
فصــلِ واستَبقني حيا ولا تَقْتُــلِ 

يا سنـا الشَّمسِ يا أبهى من الكـوكبِ   
يا منَـى النَّفْسِ يا سـؤْلي ويا مطْلَبي

ها أَنَـا حـلَّ بأعدائِك ما حلَّ بِـي    
عـذَّلِي من أَلَمِ الهِجرانِ في معـزِلِ

والخَلـي في الحب لا يسأَلُ عمن بلي  
أَنْـتَ قَد صيرتَ بالحسنِ من الرشْد غَي

لـم أَجِد في طَرفَـي حبك ذنباَ علَي   
فـاتَّـئِـد وإِن تَشَأْ قَتْلي شَيئـاً فَشَي

أجمــلِ ووالِني منْك يــد المفْضلِ   
فهي لي من حسنات الزمنِ المقْبـِلِ

ما اغْتَذَى طَـرفـي إلاّ بِسنَـا نَاظريك  
وكَــذَا في الحب ما بي ليس يخْفَى علَيك

ولِـــذَا أُنْشــد والقَلْب رهين لَديـك  
يـا علي سلَّطْت جفنَيـك علي مقْتـلي

فابق لي قلبي وجد بالفضل يا موئلي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حیاتِ متنبی اور اُس کی شاعری

مساهمة توفيق الحكيم في تطوير المسرحية

أبيات بشار بن برد في الشورى والجد والمعاشرة