جمعية النادي العربي

من المعلوم لدى الجميع أن لغة الكتاب والسنة هي اللغة العربية، وبدون تعلم اللغة العربية لا يمكن فهم الكتاب والسنة، وبدون فهم الكتاب والسنة لا يمكن العمل بالشريعة الإسلامية، وبدون العمل بالشريعة الإسلامية لا يمكن دخول الجنة التي هي مطمح الأنظار لجميع المسلمين في العالم، فكأن اللغة العربية هي مفتاح دخول الجنة بالإضافة إلى كونها مفتاحَ كنوز الكتاب والسنة.
فبناء على هذه الأهمية لهذه اللغة اهتمت بها ندوة العلماء اهتماماً بالغاً من أول يومها، وأدرجت في مقرراتها الدراسية كتباً عربية بكثرة ليركز الطلبة أولاً وقبل كل شيء جميع عناياتهم نحو هذه اللغة، ويبذلوا جهودهم الجبارة في سبيل تعلمها وكسب النبوغ والبراعة فيها، ثم يفهموا فهماً مباشراً ما يتضمنه القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف من الأحكام والتعاليم، ومن ثم قررت ندوة العلماء أن يُدرَّس القرآن الكريم في دار علومها مباشرة بدون مساعدة أي كتاب من كتب التفسير. 
وكذلك شكلت ندوة العلماء لجنة صحفية تُوجِد في طلاب دار علومها مهارات الكتابة باللغة العربية، وتُمكِّنهم من نشر تعاليم الإسلام وأحكامه في جميع أنحاء العالم، والدفاع عن دينهم الحنيف بأقلامهم. 
وأما جمعية النادي العربي فهي أيضاً حلقة من هذه السلسلة الذهبية، وشكلت ندوة العلماء هذه الجمعية ليكون الطلاب في دار علومها متمكنين من النطق باللغة العربية، وإلقاء الخطب والمقالات بها، والتكلم فيما بينهم بها بصفة عامة ومع العرب بصفة خاصة. 
ولكن مما يعصرني ألماً ويحزني قلقاً أن كلاً من هذه الجمعية واللجنة قد فقدت روحها ومعنويتها، ولم يبق لهما أهمية في عيون معظم الطلبة، وهم يعتبرون الحفلات المنعقدة تحت هذه الجمعية واللجنة، مما لا يعنيهم ولا يعود عليهم بالفائدة، وبوجه خاص قد طرأ على جمعية النادي العربي الجمود بكل ما في هذه الكلمة من معنى، ودخلت في مرحلة أدق وأحرج، وأما المدرسون والمسؤولون فهم مضطربون، ولا يكادون يعرفون أسباب انحطاط الطلبة وعدم اهتمامهم بهذه الحفلات، ولا يدرون ماذا يصنعون، ولا يهتدون إلى حيلة ناجحة يختارونها لترغيب الطلبة في المساهمة في هذه الحفلات.
وأما أسباب الانحطاط في الطلبة فالبحث عنها صعب وعسير جداً، غير أن عدداً من المدرسين والطلبة يعللون هذا الانحطاط بعلل متعددة.
إن جمعية النادي العربي تهدف - كما أرى - إلى هدفين رئيسين، أولهما: تمكين الطلبة من النطق باللغة العربية والتكلم بها مع الآخرين، والثاني: إيجاد صلاحية إلقاء الخطب والمقالات باللغة العربية في الطلبة.
فأما تحقيق الهدف الأول فهو يتطلب منا أن نرجع إلى الوراء، ونتدارك ما فاتنا من بذل الجهود الجبارة في سبيل تعلم اللغة العربية وفهمها والاستفادة من المدرسين الكرام في ذلك في غير ساعات الصفوف، لأنه لا يمكن أحداً أن ينطق بأي لغة ويتكلم بها من غير تعلمها وفهمها، وهذا الهدف مما يصعب نيله ويسعر تحصيله إذ دخلنا في مرحلة ليست مرحلة تعلم اللغة وفهمها، وإنما هي مرحلة تركيز العناية على فهم الكتاب والسنة.
وأما إذا قيل: "إنا قد مررنا بالمراحل الثانوية ودخلنا في الصفوف العالية فلِمَ لَمْ نتمكن من تعلم اللغة العربية وفهمها؟" فهذا موضوع يحتاج إلى التفصيل، وسأبحث فيه إن شاء الله فيما بعد.
وأما الهدف الثاني فيمكن الحصول عليه إذا اتخذت حيلة ناجحة للحصول عليه.
لديَّ بهذا الشأن اقتراحات عست أن تنفع شيئاً إن شاء الله إذا عُمل بها.
الأول: أن يُوجَب على الطلبة حضور حفلات أسبوعية وشهرية للنادي العربي كما يجب عليهم حضور الفصول الدراسية، ويُتَّخَذ ضدهم مثلُ ما يُتَّخَذ من الإجراءات في الفصول إذا غابوا عن هذه الحفلات، ويَحسُن أيضاً بهذا الشأن أن يُمتحَن كل طالب في إلقاء الخطب والمقالات في نهاية العام الدراسي، ولا ينجحَ في الامتحان السنوي إلا إذا نجح في هذا الامتحان.
والثاني: أن يُحدَّد موضوع الخطب والمقالات لحفلات أسبوعية وشهرية قبل شهر كامل على الأقل، ليستطيع كل من الطلبة أن يدرس كتباً تتعلق بالموضوع، دراسة عميقة، ويكتبَ الخطب والمقالات من يقدر منهم على كتابتها بنفسه، ويكلفَ من لا يقدر عليها أحداً من زملائه بكتابتها، ثم يحفظَها، ويقدمها في الحفلات.
يُشاهَد بصفة عامة أن المسؤولين عن جمعية النادي العربي لا يحددون الموضوع لحفلات أسبوعية إلا يوم الأحد أو الاثنين، ولا يمكن أحداً من الطلبة أن يقوم بذلك كله في ثلاثة أيام فقط.
والثالث: أن يتم توزيع الجوائز ذات القيمة على الطلبة الفائزين في كل من الحفلات الأسبوعية والشهرية على السواء لترغيبهم فيها، فإن الجوائز ذات القيمة هي الشيء الوحيد - فيما أعتقد - الذي يؤدي دوراً كبيراً في لفت أنظار الطلبة إلى هذه الحفلات، وترغيبهم في المساهمة فيها.
وإن قيل: "أنى يأتي المال لتوزيع الجوائز الثمينة؟" فهذا موضوع لا مجال هنا للبحث فيه.
ولكن من الحقائق الناصعة أن النجاح في أي شيء في العالم المعاصر يتطلب إنفاق المال والوقت، وإن زعم أحد من البشر أنه قادر على إحراز النجاح بغير إنفاق المال والوقت فهو في ضلال بعيد.
فملخص القول أن جمعية النادي العربي في أشد حاجة إلى إمعان النظر فيها واتخاذ خطوات حاسمة جريئة بشأنها.
فلا بد للمسؤولين عن جمعية النادي العربي أن يفكروا ويتدبروا بكل من الجدية والرزانة - إن كانوا مخلصين في أداء واجباتهم ومسؤولياتهم - فيما يُعِينهم ويساعدهم في لفت انتباهات الطلبة إلى الحفلات المنعقدة تحت جمعية النادي العربي، وترغيبهم في المساهمة فيها، وفي رفع مستوى جمعية النادي العربي. 
وإن هم يريدون من خلال شغل المناصب أن يذيع صيتهم وشهرتهم في الآفاق وتذكر أسماؤهم في تاريخ ندوة العلماء كمسؤولين عن جمعية النادي العربي فليدعوا جمعية النادي العربي تسير على ما تسير، وليعلموا علم اليقين ما قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: "من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها، وماله في الآخرة من نصيب." (سورة الشورى، الآية:20)
أختم كلامي هذا بقول الله عز وجل: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله." (سورة هود، الآية:88)

الزلزال العنيف
سنة كاملة على وفاة أخي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حیاتِ متنبی اور اُس کی شاعری

مساهمة توفيق الحكيم في تطوير المسرحية

أبيات بشار بن برد في الشورى والجد والمعاشرة