أبيات بشار بن برد في الشورى والجد والمعاشرة

إن هذه الأبيات التي ضمها محمد شريف سليم إلى كتابه "مجموعة من النظم للحفظ والتسميع"، قالها بشار بن برد المتوفى سنة ١٦٧ هـ في الشورى والجد وفي المعاشرة، فأولاً سأقوم بشرح الأبيات التي تتعلق بالشورى والجد، ثم أسلط الضوء على الأبيات المتعلقة بالمعاشرة.

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
بحزم نصيح ونصحة حازم
ففي الأبيات المتعلقة بالشورى والجد يبين لنا الشاعر أهمية الشورى والجد، فيقول في البيت الأول من القصيدة: "إذا احتجت في يوم من أيام حياتك إلى استشارة فلا ينبغي لك أن تستشير كل رجل بسيط، بل يجب عليك أن تستشير دائماً رجلاً حازماً; لأنك إن استشرت رجلاً بسيطاً فسيكلفك خسائر فادحة، وأما الرجل الحازم فستجده دائماً وأبداً نافعاً ومفيداً في كل أمر تستشيره فيه." 
ولا تحسب الشورى عليك غضاضة
فريش الخوافي قوة للقوادم
ثم يقول الشاعر في البيت الثاني: "إذا احتجت يوماً إلى استشارة أحد فلا تعتبر الشورى نقصاً أو شيئاً مكروهاً; لأن الاستشارة ستفيدك إفادة كثيرة وتعطيك قوة كما أن الخوافي على ضعفها عادةً تكسب القوادم قوة.

وما خير كف أمسك الغل أختها؟
وما خير سيف لم يؤيد بقائم؟
وفي البيت الثالث يؤكد الشاعر - عن طريق طرح الأسئلة - ما قاله في البيت الثاني من كلام، ويريد أن يقول: "كما أن كفاً واحدة لا تصفق وتحتاج دائماً إلى أختها، وكما أن السيف بلا قائم لا يصلح لشيء ولا يستطيع الإنسان أن يضرب به كما يريد، فإن الإنسان أيضاً لا يستطيع أن يقوم بعمل من الأعمال جيداً دون أن يستشير فيه رجلاً حازماً; لأن الأعمال التي يتم القيام بها من غير الشورى، لا تنفع إلا قليلاً."
وخل الهوينى للضعيف ولا تكن
نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
وفي البيت الرابع ينصح الشاعر بترك البطء في الأعمال، فيقول: "دع الاتئاد في مشيك، ولا تكن كالضعفاء; لأن الاتئاد في المشي من شيمة الضعفاء، ولا تكن مهملاً حتى لا تبالي بالحصول على مقاصدك في الحياة، كالرجل الذي يكون في غفلة من إدراك مطالبه حينما ينام، بل لا بد لك أن تكون دائماً مستيقظاً، وتحاول الحصول على مطالبك; لأن الرجل الحازم يفضل دائماً إدراك المطالب على النوم."

وأدن إلى القربى المقرب نفسه
ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم
وفي البيت الخامس يقول الشاعر: "حاول أن تتقرب إلى الرجل الذي يريد التقرب إليك، وأبعد نفسك عن الرجل الذي يكرهك ولا يريد أن يكون على اتصال معك، ولا تستشر رجلاً لا يحفظ أسرارك، ولا تسمح له بالجلوس في مجلس الشورى، فإن الرجل الذي لا يحفظ الأسرار سيبوح بأسرارك أيضاً للآخرين." 
وإنك لا تستطرد الهم بالمنى
ولا تبلغ العليا بغير المكارم
وفي البيت الأخير من هذه القصيدة يقول الشاعر: "إن كنت مهموماً ومحزوناً لأنك لم تتمكن من الوصول إلى المكانة العالية، فإن أمانيك لا تنفع في إزالة همومك، وإنك إن كنت تريد أن تدرك المنزلة الرفيعة فلا بد لك من أن تقوم بجلائل الأعمال، فبدون ذلك لا يمكنك الوصول إلى المكانة العليا." 

والآن أود أن أشرح الأبيات التي قالها بشار بن برد في المعاشرة.

إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فيقول الشاعر في البيت الأول من هذه القصيدة: "إن كنت معتاداً على معاتبة صديقك في جميع الأمور فسوف تبقى في يوم من الأيام منفرداً وبلا صديق; لأنه لا يوجد على وجه الأرض إنسان يخلو عن الزلات."
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه
مقارف ذنب مرة ومجانبه
ثم يقول الشاعر في البيت الثاني: "إن أبيت إلا تصادق الرجل المنزه من الزلات والخطايا فعش حياتك منفرداً وبعيداً عن الناس، وإن كنت تريد أن تعيش مع الناس فخير لك أن تتعلم مسامحة الناس وغض النظر عن خطاياهم، فإنهم إن ارتكبوا الخطايا مرة اجتنبوها مرة أخرى."

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه؟
وفي البيت الثالث يؤكد الشاعر ما قاله في البيتين السابقين، فيقول: "كما أنه لا يتأتى لك أن تشرب دائماً ماءً صافياً، فإذا لم ترض بشرب ماء كدر في بعض الأحيان عطشت، وكذلك لا يتأتى لك أن تجد أصحابك معصومين من الزلل وإلا بقيت وحيداً، لأنه لا يوجد على وجه الأرض إنسان يخلو عن الزلات والخطايا."
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها؟
كفى المرأ نبلاً أن تعد معايبه
وفي البيت الأخير يؤكد الشاعر كلامه بإلقاء الأسئلة، فيقول: "هل هناك من يرضى الناس بطبائعه كلها، كلا! بل لا وجود لمثل هذا الرجل على الأرض، وما من رجل إلا وفيه عيوب يكرهها الناس، ويكفي الإنسان شرفاً أن تكون معايبه قليلة; لأن أكثر الناس لا تعد سيئاتهم ولا تحصى لكثرتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حیاتِ متنبی اور اُس کی شاعری

مساهمة توفيق الحكيم في تطوير المسرحية